مدخل
عنوان مرعب، أليس كذلك؟
ولكن إذا أخذت من وقتك لتشاهد هذا الفيلم وتقرأ هذا المقال، ستدرك العمق الذي يحاول هذا العنوان تبسيطه في فيلم يكاد لا يتجاوز العشر دقائق!
لقد حاول المخرج المبدع بين آستون إخراج هذه القصَّة وتمثيلها على أرض الواقع بهدف إيصال فكرة. ومع أنَّه ليس الهدف من هذا الفيلم أن يكون دمويًا إلَّا أن طريقة إيصال هذه الفكرة قد تكون غير مناسبة لكل المشاهدين، لذلك وجب التحذير هنا.
تستطيع مشاهدة هذا الفيلم القصير بترجمة عربيَّة عبر الضغط على زر CC واختيار العربية حيث قمت بترجمته بنفسي لأتأكد من وصول هذة الفكرة بالشَّكل الذي تستحقُّه.
* من فضلك قم بمشاهدة الفيلم قبل إكمالك للقراءة على هذا الرابط: http://hetookhisskinoffforme.com/
لقد نزع جلده من أجلي!
إلى أي مدى سنذهب لأجل من نحب؟
هذا الفيلم الذي أخرجه المبدع بين آستون مستوحى من قصة قصيرة كتبتها ماريا همر، يتناول بوجهة نظر جديدة أثر أقصى درجات التضحية، ويسلط الضوء على عواقبها الوخيمة.
تبدأ التضحية بسؤال بسيط مثل: هل هذا ما تريده أنت؟ تلك الكلمات الخمسة قادرة على أن تدمر روح الشخص كعاصفة لا تترك خلفها إلا أطلالًا.
فأنت آنذاك تلقي برغباتك الخاصة تحت الظل، وتجعل كل التركيز والاهتمام ينصبُّ على رغبات الشخص الأخر.
قد يختلف هذا الشخص في مراحل حياتك؛ فقد يكون أحد والديك بحبه الذي يتبادر إلى الذهن بأنه غير مشروط رغم أنه كذلك، أو صديق يطالبك بالوقوف معه أثناء الشدائد ولكنه يتلاشى حالما تكون أنت في حاجة ماسَّة إليه، أو حتى الانسان الذي أحببته واخترت أن تدخله قلبك وتسكنه زوايا روحك..
يرينا هذا العمل الفني -الذي يعلق في الذاكرة- كيف أن الحاجة المرضية لإرضاء الآخرين لا يقف تأثيرها على الشخص نفسه، بل تمتد إلى العلاقة بشكل كامل وتحولها إلى حطام.
فحالما تتوسع مداركنا وننتقل في مراحل الحياة من حلقة العائلة إلى المدرسة إلى المجتمع بأكمله، نجد التشجيع التام والأعمى لهذه الحاجة الفطرية للإرضاء.
لذلك ترانا نستمع إلى والدينا عندما نكون صغارًا مهما كان الأمر، ونبذل كل جهدنا لنحقق تلك التوقعات المطلوبة منَّا في سن المراهقة، كما نغيِّر الكثير مما نحن عليه، ونسلخ مبادئ وقيم نزعناها من دواخلنا في سبيل إرضاء شريك الحياة والذي لربما اختارنا في الأساس بسبب ما كنَّا عليه وما آمنَّا به.
ومع ذلك نجدهم يرغموننا على التخلي عن الكثير من الأمور التي تجعلنا نحن، ومع تلك التغيرات الجذرية والتعديلات الدائمة قد لا يتبقى منَّا سوى صورة مشوهة عن الشخص الذي كنَّا عليه..
في هذه العلاقة المقدَّمة إلينا في هذا الفيلم، وصل الزوجان إلى تغيير جذري، فقد نزع جلده لها وكشف عن كل مكنوناته فأصبحت "قادرة على رؤية كل شيء."
في البداية، تكاد ترى وجهه متوهِّجًا من الفرح لأنه استطاع أن يجعلها سعيدة!
وعلى الرغم من جلده الذي نزعه إلا أنه فعل ذلك لها، وهي تستحق أن يتخلى عن كل شيء من أجلها أليس كذلك؟
ولكن عندما تلتزم بشيء لم يكن خيارك، وتتنازل عن الكثير من أجل الآخر، ستبدأ بالشعور بثقله على قلبك وصعوبته على نفسك، وكأنه غصَّة تنغِّص عليك معيشتك.
فبعد فترة من الوقت بدأ يشعر بتأثير القرار الذي اتخذه من أجلها عليه وعلى حياته ككل. فقد أصبح يواجه التحدِّيات على صعيد يومي لأنه لم يكشف ذاته لها فقط، بل للعالم بأكمله!
وكان هذا صعبَّا عليه لأن الكثير لم يتقبَّل هذه التَّضحية التي قام بها. فالجلد هو الدرع والملاذ، وهو ما يحمينا من كل ما يحدِّق بنا. ولذلك فإن التخلي عنه لشخص آخر قد يكون مبدءاً صعبًا للفهم، وكذلك هي المبادئ والقيم والقناعات، عندما ننسلخ منها وننزعها من أجل شخص آخر.
أصبح يملأه الحنين إلى كينونته الأولى التي كان عليها، وبدأ بافتقاد جلده الذي كان حماية وغطاء حتى أصبح يشعر كالطفل المعاقب دون معرفة السبب. فتداعت دواخله ببطء كحبات الدومينو وأصبحت خطواته متثاقلة بعد أن كان يقف شامخًا، كما قلَّت كلماته بعد أن كان"يحب استخدام العديد منها حتى عندما يكفي القليل".
ولأنها لم تعطه المجال للتراجع عن هذا القرار، بدأ يشعر بالندم لأنه تخلى عن جزء منه لأجلها، فهي أشعرته بأن عريه من هذا الجلد هو الشَّرط الوحيد لحبِّها له، مهما كان هذا الأمر صعبًا عليه. ومن هنا نشأ الحقد وبدأت لعبة إلقاء اللوم..
هذا الأمر يذكِّرنا بما يفعله الأهل عادة عندما يربطون محبة الطفل بتصرفاته، فكأنه إذا أطاعهم أحبوه أكثر وإذا كان عنيدًا قلَّت محبتهم له. فيكبر الطفل وهو يؤمن -من غير أن يشعر- أنه عليه أن يلتزم بما يمليه الأخر عليه حتى يحصل على المحبَّة التي يريدها..
وقد تكون هناك وجهة نظر أخرى لهذا الفيلم المؤلم، وهي تجسيد العلاقة غير المتوازنة حيث أنها طلبت منه أن يتجرد من جلده، ورأت خفايا روحه ولمست جميع نقاط ضعفه، بينما رفضت أن تنزع جلدها وتقوم بالمثل.
فبعض الناس يخافون من إظهار حقيقتهم بينما يطالبون الآخرين بالشفافية المطلقة وكشف جميع الأوراق.
كما نرى احساس الذنب الذي يتملَّكها بسبب أنانيتها المطلقة عندما كانت تستحم، ولكنها مع ذلك لم تجرؤ على أن تنزع جلدها وتنضمَّ إليه.
فهي تحمَّلت غسل الشراشف بشكل يومي وتنظيف المنزل لساعات طويلة وتكلفة التَّدفئة حتى تحصل على عالمها المثالي الخالي من الجلد. لكن مع مرور الوقت نرى الإهمال ينسج شباكه على علاقتهما.
فلم تعد قادرة على متابعة تنظيف المنزل وامتلأ بيتهما بلمسات التعاسة الحمراء وأصبح خاليًا من الكلمات، ولجؤوا إلى الصَّمت القاتل وخاصة أنَّه “شعر بأنه يقوله بالفعل.." عن طريق تصرفاته.
ومع أنَّها كانت تراه يعاني أمامها، إلا إنها استمرت في وضع رغباتها أولًا، وقررت أن تتجاهل كل تلك الإشارات التي كان يعبِّر فيها عن استياءه دون أن يتحدَّث، مثل النَّظرات المتألمِّة التي كانت تشعرها بأنه غير سعيد وأنه يفتقد ما كان عليه.
ارتسم الأسى على وجهه عندما فهم أخيرًا أنها لن تتقبَّله أبدًا سوى بالشكل الذي تريده هي.
فكان المشهد الأخير من أقوى المشاهد وأكثرها تأثيرًا، حيث تستطيع رؤية الحقد والغضب في كل عضلة من عضلات وجهه العاري، فعندما ينسلخ الانسان من مبادئه إرضاءً لغيره ولا تؤتي هذه التضحية ثمارها، يتحول الحب إلى كره ورغبة عارمة في الانتقام.
فعندما شوَّهت جوهره أصبح يريدها أن تعاني كما عانى هو، وأخذت أصابعه تتنقل على جسدها حتى وصلت إلى جلدها الناعم ونزعته بقسوة كما كانت هي السبب في نزع روحه.
إن الحاجة إلى إرضاء الآخرين موجودة في طبيعتنا البشرية، فهذه الرغبة هي التي تجعلنا نتنازل لشريك الحياة حتى نستطيع تكوين عائلة وتستمر الحياة فيما بيننا، كما تجعلنا نبذل مجهودًا كبيرًا للإنتماء إلى المجتمع مما يشعرنا بالأمان لكوننا تحت حمايتهم بشكل أو بآخر.
ولكن لكلِّ تنازل أو تضحية تأثير قوي على روح الفرد، فقد تجعله يصل إلى مرحلة التشوّه التَّام حيث لا يعرف نفسه من كثرة تطبُّعه بالآخرين وتهميش رغبات ذاته الدَّاخلية.
فنحن غالبًا ما نعيش حياتنا وفق أهواء الآخرين حيث يسوقوننا إلى مسارات لا نريدها ومبادئ وقيم لا نؤمن بها. ومن أبسط الأمثلة على ذلك هو اختيار تخصص لا ترغب به في الجامعة، أو البقاء في وظيفة تكرهها من أجل إرضاء والديك أو شريك حياتك.
قد تقوم بكل هذه التنازلات من أجلهم حتى تصل إلى هدفك الوحيد وهو نظرة فخر أو قبول تام.
ولكن هل تساءلت يومًا إذا ما كانت لحظات رضاهم المتلاشية تستحق خسارة نفسك قطعةً قطعة؟